أمسك الموبايل كتب “عيد أضحى مبارك” ثم محاها، وعاد يفكر ليكتب تهنئة غير تقليدية بالعيد، فبدأ بـ : “أيامكم أفراح بمناسبة العيد السعيد”. ضحك ضجراً، ثم كرر المحاولة ليجد نفسه يدور في حدود مفردات لا يستطيع تجاوزها. حينذاك ذهب لمحرك البحث Google لإيجاد صورة تحمل تهنئة بخلفية جميلة أو صورة لخروف تغطي عينيه نظارة شمسية كي يستخدمها في تهاني الأهل والأصحاب.
في الجهة الأخرى من العالم رن الموبايل مشيراً لتسلم رسالة، فتحها أخوه فوجدها صورة خروف! ابتسم وأكمل متابعة برنامج ينقل احتفالات المواطنين بالعيد. رن جرس البيت، ولم يخطر ببال العائلة أبداً أن يستقبلوا ضيوفاً بمناسبة العيد. وفعلاً ، لم يكن هناك أحد على الباب. ففي هذه الأيام، تؤثر عوائل كثيرة إرسال تحياتها وتهنئتها بالعيد عن طريق الشاشة الزرقاء. مرّ أول أيام العيد باهتاً، بعد أن مرّ الوقت دون أن يرتبط فيه شيء من مظاهر العيد، إلا اللهم صورة الخروف التي يرسلها ابنهم لأفراد العائلة والمقربين. لم يعرف صديقنا المغترب أنّ تلك الصور لم تعد تحرك أحداً. ولم يكن على دراية أنّ التهاني المكتوبة التي لا تكلف صاحبها عناء الاتصال أو ترديد الجمل المستهلكة مثل : “كل عام وانت بخير، الصحة والسلامة ان شالله” أو “ان شالله عرّيس”، لم تعد تحمل معناها. البيئة التي كانت عالقة بذهنه عن العيد انتهت، وفرصة التقاء أفراد العائلة بمثل هذه المناسبات لم تعد مجدية ما دامت فرصة الرسائل المستهلكة متوفرة.
بعد أن أرسل صديقنا عدداً من الرسائل التي كان يظنها لطيفة خفيفة على عيون الآخرين، انشغل عن متابعة رد التهنئة بتقريرٍ تلفزيوني كان يستعرض طقوس البوذيين في أعيادهم الدينية. لفته أنّ جملة من معتنقي هذه الديانة يمارسون طقوسها في بلد الغربة دون أي استخدامٍ للتكنلوجيا من شأنه تشويه تلك الفعاليات. انتبه من حيث كان مأخوذاً بإنتاج ذلك التقرير أنّ لا أحد ردّ تهنئته إلا قليل. انتبه أنّ معنى العيد بدأ يفقد محتواه، أو أنّ هناك من يحاول تفريغه من معناه. انتبه أنّ البلاد الإسلامية التي تحتفل بالعيد تعيش واحدة من أسوء مراحل وجودها، وأنّ المناسبات الاجتماعية التي من شأنها جمع الناس على الحب والتسامح والعطاء باتت مفقودة، فمن باب أولى أنّ تكون مناسبات الحزن والشعور بالآخر من التراث!
أخرجه من انتباهاته تلك اتصال من أحد أصاحبه يعيش قريباً منه، تخيّل أنه سيفنّد تلك الأفكار، وسيثبت أنّ “الدنيا لسّا بخير”، فاستعدّ لتجميع كلمات مناسبة يردّ بها على المعايدة المنتظرة، كـ “حبيبي وانت سالم، / ثم ضحكة، ويكمل / الله يخليك وينعاد عليك بالصحة والعافية.. حبيبي”.. فتح الخط:
– ألو يا هلا
صديقه:
– هلو حبيبي شلونك، أكَلك أكو مطعم كَتلي عليه قبل فترة وما دزيتلي عنوانه، بشرفك محتاجه. اسمع دزه بمسج لأن دا أسوق!
Leave a reply