طالتْ صلاة الأم على كرسيّها المخصص لمن يعاني آلام المفاصل. صلاة تستفز عادة زوجها المستلقي على السرير بجانبها. كان دائماً ما يعلّق: لأي الأوقات تنتمي صلاتكِ هذه؟! ليست إلى المغرب فتكون الواجبة ولا هي إلى الليل فتكون النافلة! لكنّها على أي حال تصلي رغم انزعاجها من تلك التعليقات، خاصة وأنّها تعتقد بأفضلية ما تشغل به وقتها؛ على راحة السرير الذي يغطس به زوجها ومن فوقه ثلاث بطانيات مختلفة وناعمة. يعكف زوجها، رغم تعليقاته، على قراءة بعض الأذكار من كتاب يصعب تمييز الكلمات فيه لقدمه.
مَسحةُ برد كانت صبغت أجواء الغرفة كأول إشارات الشتاء، بينما ساد الهدوء الطابق العلوي الذي يشغله ابنهم وأسرته. كانوا على وشك النوم لولا اللعب في الوقت الضائع الذي طالما أحبت ابنتهم الصغرى أداءه.
طلب منها أبوها أن تنام، فلم تسمع له، وظلت تحرك برجليها الفراش بمرحٍ أزعج والدها المتعب. صاح بها: نامي ولچ! لكن الحركة من تحت الفراش لم تهدأ، بل زادت! ما دفع الأب الغاضب للنهوض كي يجبر الفتاة الصغيرة على النوم بالقوة. المفاجأة أنّ صغيرته كانت انتهت عن اللعب بفراشها فعلاً، لكن فراشه ما زال يتحرك! صاحت زوجته: هزّة! ركضت الفتاة وفق وجه أخويها نحو الباب بسعادة غامرة!
كان الاستغراق بصلاة الأم يلهيها أحياناً عن تعليقات زوجها المزعجة، لكنّها بهذه الساعة أسرعت في إيماءات ركوعها وسجودها واتهمته مباشرة بتحريك كرسيّها! قال لها من تحت البطانيات: شنو تخبلتي؟ شلون أعوف الدفو وأجي اهز كرسيّچ؟ وأحست أن كرسيها ما زال يهتز من تلقاء نفسه دون أن تمسسه يد! لحظاتٌ وسمعتْ صوتَ حفيدتها من عَلِ: بيبي.. بيبي هزززة!
وفي لحظة كانت “البيبي” عند باب الحديقة الأمامي، وسط دهشة الأسرة التي تجمعت خلفها، ليس بسبب أول هزة أرضية تضرب العراق، بل لأن رجليها أمست تركضان دون ذكر لآلام المفاصل.
Leave a reply